العشاء الأخير عند الجد حسن
القصة تدور حول "الجد حسن" الذي يدعو أحفاده الثلاثة (مريم، أحمد، ويوسف) إلى عشاء مميز. لكن هذا العشاء ليس عادياً؛ إنه مليء بالحكمة، والذكريات، والأسرار التي ستغير من نظرتهم للعائلة وللحياة. وخلال الأمسية، يتعلم الأحفاد عن آداب الطعام، وقيمة الترابط الأسري، ويكتشفون سرًا قديمًا أخفاه الجد منذ سنين
الدعوة الغريبة
كان يوم هادي، والجو في القرية ريحة النسيم فيه بتفكر الناس بالذكريات الحلوة. في بيت قديم لونه بيج، محاط بأشجار البرتقال والليمون، قعد الجد حسن على مكتبه الخشبي، وبين إيده ورقة بيضا وقلم حبر أزرق.
كتب بخطّه المميز:
"مريم، أحمد، يوسف... مستنيكم النهارده الساعة 7 مساءً على العشا. فيه أسرار عايز أقولها ليكم، أسرار عن العيلة... وعن حاجة تانية أهم... آداب الطعام."
وقّع الرسالة باسمه، وضحك وهو بيطوي الورقة ويحطها في ظرف. نادى على "سالم"، الولد اللي بيساعده في البيت:
– "سالم، خُد الظرف ده ووصّله لأحفادي في بيوتهم... بسرعة، قبل المغرب."
في بيت مريم، استلمت الظرف وهي مستغربة:
– "أسرار؟ جدي؟ ده دايمًا ساكت!"
وفي بيت أحمد، قرأ الورقة وهو بيعدل نضارته:
– "هو جدو بقى بيكتب ألغاز ولا إيه؟"
أما يوسف، اللي عنده 7 سنين، فصرخ وهو بيجري:
– "جدو هيعمل عزومة؟ ياااه ده أنا جعان أوي
الوصول للمائدة
قبل المغرب بشوية، كانت الطاولة الكبيرة في بيت الجد حسن متفرشة بأجمل الأطباق المصرية: ملوخية خضرا، محشي ورق عنب، بط بالبرتقال، رز بالشعرية، وسلطة بلدي بتشهي.
وصلت مريم الأول، لابسة بلوزة بيضا وبنطلون جينز، وشعرها مربوط.
– "السلام عليكم يا جدو!"
– "وعليكم السلام يا ست البنات... اتفضلي يا مريم."
بعدها أحمد دخل، لابس قميص أزرق ونضارته السميكة:
– "أهلاً يا جدو... ريحة الأكل دي هتجنني!"
يوسف دخل جاري:
– "جدووو... فين المحشي؟"
ضحك الجد حسن وقال:
– "استنوا يا أولاد... الأول كلنا نغسل إيدينا."
يوسف كان خلاص هيقعد، بس الجد بصله بصرامة:
– "يوسف! غسلنا إيدينا الأول يا بطل."
– "حاااضر يا جدو!" وقالها وهو بيجري الحمام
البداية... وسر العيلة
بعد ما الكل قعد، الجد بص عليهم بهدوء وقال:
– "عارفين ليه عزمتكم النهارده؟ مش بس علشان ناكل... أنا عايز أعلّمكم حاجة... يمكن أهم من الأكل نفسه."
مريم قالت:
– "إنت كتبت إن في أسرار... أسرار إيه يعني؟"
ضحك الجد:
– "الأسرار مش دايمًا حاجات بنخبيها... ساعات بتكون دروس اتعلمناها وعايزين نوصّلها للي بعدنا."
أحمد قال:
– "يعني حضرتك هتعلّمنا عن... آداب الأكل؟"
الجد قام، مسك الملعقة، وضرب بيها خفيف على الطبق:
– "اسمعوني يا أحفادي... أول آداب الأكل: لازم نحترم اللي قاعدين معانا على السفرة. ما ينفعش نمد إيدينا قبل ما الكل يكون جاهز."
بص ليوسف اللي كان على وشك ياخد من طبق البط:
– "يوسف... مش قولنا؟"
يوسف سحب إيده بخجل:
– "آسف يا جدو..."
الجد كمل:
– "تاني حاجة... ما ناخدش أكتر من اللي نقدر ناكله. مش حلو نبذر... ومش من الأدب نسيب أكل في الطبق."
مريم كانت قاعدة ساكتة، بس وشها بيقول إنها بتفكر.
– "عارفة يا مريم، الأدب في الأكل مش بس عشان الناس... دا كمان احترام لنعمة ربنا
الملوخية.. والسر الكبير
أحمد كان قاعد قدام طبق الملوخية، باين عليه متردد.
– "أنا عمري ما جربتها... ريحتها غريبة."
الجد ضحك:
– "جرب بس... يمكن تعجبك."
أحمد غمس العيش، أخد أول لقمة... ووشه اتغير:
– "ياااه! دي طعمها حكاية!"
مريم قالت:
– "أنا دايمًا كنت بقول الأكل اللي ما عرفوش، ما أكلوش... بس باين إني كنت غلطانة!"
هنا، الجد قال:
– "بصوا، في سر كنت مستنيه الوقت المناسب عشان أقولكم عليه..."
الكل سكت.
– "البيت ده... هيتقسم بينكم. كل واحد فيكم ليه جزء فيه. بس بشَرط."
يوسف رفع حاجبه:
– "شَرط؟"
– "آه... الشرط إنكم تكملوا تقليد العيلة: تجمعوا ولادكم وأحفادكم، وتعلّموهم آداب الأكل زي ما بعمل معاكم النهارده."
أحمد قال:
– "ده شرط جميل... بس ليه دلوقتي؟"
الجد بص لهم بنظرة فيها حنية، وفيها حاجة تانية...
– "عشان ده... آخر عشا ليا معاكم وأنا بكامل صحتي. يمكن بكرة أضعف، ويمكن بعده..."
مريم قامت ومسكت إيده:
– "جدو! ما تقولش كده!"
ضحك الجد:
– "ماحدش بيفضل طول الوقت قوي... بس اللي بيكمل هو الذكرى، والتعليم، والحب اللي بنسيبه ورا
الامتنان... والبداية الجديدة
بعد ما خلصوا العشاء، مريم قالت:
– "أنا كنت فاكرة إني جاية أعُدّي واجب... لكن طلعت بأغلى درس."
أحمد قال:
– "أنا كمان... عمري ما فكرت إن ترتيب الأكل على السفرة، وهدوء المضغ، والأدب في الحديث... ليهم معنى كبير كده."
يوسف ضحك:
– "وأنا مش هلمس المحشي تاني غير لما الكل يكون جاهز!"
الجد بص لهم وهو بيبتسم، ودمعة صغيرة في عينه:
– "أنا مش محتاج غير وعد... إن كل واحد فيكم ينقل اللي اتعلمه للي بعده."
كلهم قالوا بصوت واحد:
– "وعد يا جدو."
الجد قام، حضنهم واحد واحد، وقال:
– "مش العشا اللي هيفضل في ذاكرتكم... اللي هيفضل هو اللحظة اللي فهمتوا فيها معنى الأدب."
الكاميرا اتقفلت على لقطة فيها السفرة فاضية، بس في ضوء دافي طالع من الشباك، وصوت الجد بيقول:
"آداب الطعام مش بس سلوك... دي حكاية حب واحترام... بنعيشها كل يوم، على سفرة عيلتنا
صباح اليوم التالي
صحيت مريم الصبح بدري لأول مرة من شهور، وقررت تعمل فطار لعيلتها. دخلت المطبخ، لبست المريلة، وبدأت تقطّع خيار وطماطم وتغلي البيض.
مامت مريم دخلت وهي مستغربة:
– "إيه ده؟ إنتي اللي عاملة ده كله؟"
– "آه يا ماما... أنا وجدو علّمني حاجة امبارح حسيت إنها تستاهل أبدأ بيها يومي."
جهزت السفرة وقالت:
– "يا جماعة... كلنا نقعد سوا، نبدأ نأكل مع بعض، وبهدوء كده... نجرّب حاجة جديدة."
أخوها الصغير دخل وقال:
– "أنا جعان!"
– "استنى يا حبيبي، زي ما قال جدو... الكل يقعد الأول، وبعدها نبدأ."
ابتسمت والدتها وقالت:
– "جدوك بيأثر فيكي أكتر مننا بكتير
أحمد والجامعة
أحمد كان في الجامعة، قاعدين مع أصحابه في الكافتيريا. بدأوا ياكلوا، وواحد منهم بيضحك بصوت عالي وأكله طاير من بقه.
أحمد قال:
– "يا جماعة، على فكرة... الأكل ده مش مجرد أكل. طريقة أكلكم بتقول حاجات عنكم كتير."
الكل سكت.
– "جدو علّمني امبارح إن الأدب على السفرة مش بس احترام للناس... ده كمان احترام للنفس."
صاحبه سامي قال:
– "يا عم، سيبنا ناكل براحتنا!"
أحمد ضحك وقال:
– "جربوا تاكلوا بهدوء النهاردة... وهتشوفوا الفرق."
وبالفعل، بدأوا يغيروا طريقتهم... غصب عنهم لقوا الجو اختلف. الضحك بقى أهدى، والكلام بقى أرقى.
الفصل التامن: يوسف والتجربة الصعبة
يوسف كان في المدرسة، في الفُسحة، قاعد مع صحابه. واحد من الولاد خطف ساندويتش من ولد صغير.
يوسف وقف وقال:
– "ما ينفعش تاخد أكل حد! ده مش من الأدب... وجدو قال إننا لازم نراعي اللي حوالينا."
الولد اتريّق عليه:
– "جدو إيه؟ أنت بقيت عجوز زيه ولا إيه؟"
يوسف اتضايق، بس مسك نفسه وقال:
– "مش مهم تقول عليا إيه... المهم إني عرفت الصح."
الولد سابه ومشي، والولد الصغير قاله:
– "شكراً يا يوسف."
يوسف حسّ بفخر غريب جواه... زي اللي بيحصل لما حد كبير يربّت على كتفك ويقولك "أحسنت
خبر غير متوقّع
في اليوم اللي بعده، جت تليفونات لكل الأحفاد في نفس الوقت. صوت "سالم"، مساعد الجد، كان باين عليه القلق:
– "جدو حسن تعب شوية... وهو في المستشفى."
مريم وقعت منها المعلقة، أحمد ساب محاضرته وجرى، ويوسف صرخ:
– "عايز أروح له دلوقتي!"
كلهم اتجمعوا في المستشفى، لقوا الجد نايم في سرير أبيض، ومربوط له محاليل. لكنه أول ما شافهم، ابتسم.
– "جيتوا... كنت عارف إنكم هتيجوا."
مريم مسكت إيده:
– "إنت هتبقى كويس، صح؟"
– "أنا بخير... بس يا ولاد، العُمر بيجري، وأنا مبسوط إني سبت لكم حاجة حقيقية."
أحمد قال:
– "إحنا ابتدينا نعلّم اللي اتعلمناه... وعد، فاكر؟"
الجد ضحك رغم التعب:
– "فاكر يا ابني... وقلبي مطمّن
السر اللي ما حدّش عرفه
بعد أسبوع، خرج الجد من المستشفى، بس بقى أضعف شوية. قعد مع الأحفاد في الحديقة، الشمس كانت بتغيب، والنسيم بيهفهف بهدوء.
الجد قال:
– "أنا كنت سايب حاجة ليكم في المكتب... افتحوا الدرج اللي تحت خالص."
راحوا بسرعة، فتحوا الدرج، لقوا صندوق خشب صغير، جواه:
صور قديمة للجد وهو صغير بيأكل مع أبوه بنفس الطريقة اللي علّمهم بيها.
ورقة مكتوب فيها بخط قديم: "الأدب في الطعام هو أوّل خطوة في بناء إنسان محترم."
وسلسلة فضة، فيها حرف (ح).
يوسف قال:
– "هو ده السر؟"
الجد ابتسم:
– "آه... دي السلسلة اللي كنت لابسها أول مرة أبويا قالّي الكلام ده. من يومها، قررت أخلّيها رمز... رمز للي يعرف يعني إيه يكون محترم على السفرة."
مريم لبست السلسلة وقالت:
– "هنعلّقها في بيتنا، ونقول لأولادنا قصتها
بداية جديدة
عدّى شهر، وصار يوم الجمعة دايمًا يوم "عشاء الجد حسن". مش لازم يكون هو اللي بيطبخ، بس لازم الأحفاد يتجمعوا، ومعاهم أولاد عمهم، وأصحابهم، وكل مرة بيحكوا قصة من زمان، ويعلموا حاجة جديدة.
الجد قاعد في كرسيه، بيشرب شاي بالنعناع، وبيضحك وهو شايفهم بيرتبوا السفرة صح، بيستنوا بعض، وبيتكلموا بأدب.
يوسف قال:
– "النهاردة أنا اللي هقول درس الأسبوع!"
الكل ضحك، والجد دمعت عينه، بس ما قالش حاجة.
لأنّه كان عارف...
إن "العشاء الأخير"... ما كانش آخر حاجة.
ده كان أول بداية



